الترجمة والمثاقفة

Publié le par Sanaa ZAOUI

الترجمة هي نقل الكلام من لغة إلى لغة أخرى   والشخص يسمى المترجم وهو الذي يفسر الكلام ويوضحه، إن الترجمة قديمة قدم المجتمعات البشرية، كانت وسيلة الاتصال والتفاهم بين كل جماعات تتكلم بلسان مختلف ودواعي الاتصال والتفاهم كثيرة منها التبادل السياسي والتجاري والفكري في السلم أو النزاع والقتال أو في حقبة التفاوض أيام الحرب، فالترجمة صنعة قديمة اقتضاها وجود جماعات بشرية متعددة اللغات وازدهارها يواكب ازدياد الاتصال بين الأمم والشعوب وبين الدول والمنظمات والهيئات.

فراجت بكل تفرعاتها الفورية والكتابية التي تتفرع منها الترجمة الإدارية والإعلامية وكذا الترجمة القانونية والثقافية والعلمية والتي غايتها أن تنقل من لغة إلى أخرى ما تبتكره العقول وتسطره الأقلام من أصناف المعرفة وألوان الفكر والأدب والفن.

الترجمة عند العرب

مثلت الترجمة عند العرب في النهضتين الأولى والثانية حاجة فرضتها ضرورة التواصل فكانت في النهضة الأولى ضرورة دينية تآزرت فيها غاية نشر الدين والدعوة إليه، بغاية الفهم المعرفي والعلمي وأصبحت في النهضة الثانية ضرورة أوجبها الإيمان بالتمدن ولا تمدن إلا بمحاكاة الغرب وسبيل المحاكاة الأول هو الترجمة.

الترجمة العلمية والترجمة الأدبية

يقصد بالترجمة العلمية ترجمة كتب العلوم والرياضيات والفيزياء والبيولوجيا وعلم الأرض والنبات والحيوان ويشترط في مترجم المؤلفات العلمية أن يكون متقنا للغة العربية واللغة الأجنبية المرتجم منها كما هو شأن المترجم بصفة عامة، أضف إلى ذلك أن يكون متخصصا في المادة العلمية التي يقوم بترجمتها فلا يترجم الطب إلا طبيب ولا يترجم الكمياء إلا كيميائي، فإذا أردت الحصول على توجهات علمية جيدة فلا بد أن يباشرها أهل الاختصاص، كل حسب اختصاصه وميدانه شريطة أن يكون المختص ذا ميل إلى هذا النشاط العلمي قوي اللغة وحسن التعبير والآداء.

فعلى حد تعبير الدكتور محمد عوض محمد: فإن الترجمة الفنية أي الثقافية والعلمية لكي تكون عملا ناجحا مثمرا ونشاطا ثقافيا مجديا لا بد لها من مترجم له الصلاحية التامة من الناحية اللغوية والفنية والتكوين اللغوي بتنوع اللغات، كما يتنوع بتنوع المادة العلمية أو الأدبية التي تتناولها الكتب أو تعالجها المقالات والبحوث.

أما الترجمة الأدبية فيقصد بها ترجمة الآثار والمؤلفات الأدبية مثل الرواية والقصة والمسرحية والشعر والمقالات والدراسات ذات الطابع الفني، أما كتب تاريخ الأدب والنقد الأدبي فهي تقع موقعا وسطا بين الآداب من جهة والعلوم من جهة أخرى موضوعا وأسلوبا.

ويجزم العارفون بمشكلات الترجمة، أن الترجمة الأدبية أصعب من العلمية، ذلك أن النص الأدبي ليس مجرد فكرة بل هو ينطوي على إحساسات المؤلف الأديب وعواطفه وتخيلاته ومن اجل هذا، كان على المترجم أن تتوفر فيه إلى جانب الأمانة في النقل، ما يبرز النص الأصلي ولا ينقص من جماله ولا يتحقق هذا إلا إذا ترجم الشعر شاعر والأدب أديب.

أهمية الترجمة

يشهد العصر الذي نعيش فيه ثورة مذهلة في المعرفة البشرية سواء من حيث النوع أو من حيث الحجم حتى أن البعض شاء أن يسميه عصر التفجرالمعرفي والثورة التكنولوجية إن الدول المتقدمة علميا وتقنيا تترجم عن بعضها البعض لذا نجد أوسع حركة ترجمية هي بين اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية ولذلك فإن المخلصين من رجال الفكر والعلم والأدب العرب يطالبون بحركة نقل واسعة للفكر الغربي الحديث وفي مقدمته المادة العلمية التي هي أساس التقدم الإقتصادي والاجتماعي.

تلعب الترجمة الدور الرئيسي في بناء الحضارة العربية في هذا العصر، إنها المخلص من التبعية اللغوية فتضع بين أيدينا وسائل العمل وأدواته وتجعلنا نقف على عتبة هذا العصر الزاخر بالجديد دون قطيعة مع تراثنا الكبير الذي احتوته لغتنا العربية.

فالمفروض أن نرسم للترجمة خطة دقيقة كي لا تكون ترفا فكريا با جهدا ثقافيا منظما يوظف في خدمة المجتمع العربي.

المترجم والحاسوب

إن الإعلام اليوم فوري كما أن الحاجة تدعو بإلحاح إلى التواصل المتعدد اللغات وأن العالم في عصرنا هذا ليس بحاجة إلى المترجمين التقليديين الذين يترجمون جملة جملة وإنما إلى مهندسين لغوين قادرين على تنظيم حجم كبير من الإنتاج وذلك بإدخال التكنولوجيات الحديثة إلى الترجمة و بخصوص الترجمة المستندة للحاسوب فهي نوعان: الترجمة الحاسوبية وهي التي تقوم فيها الآلة بالترجمة بمفردها دون تدخل العنصر البشري، وقد اتضح عدم جدواها منتصف الخمسينات وهي تصلح فقط لإعطاء متخذي القرارات فكرة عن المواضيع المترجمة واختيار أصلح المواضيع للترجمة الكاملة والدقيقة في وقت لاحق بطريقة مناسبة.

أما النوع الثاني فهو الترجمة المحسوبة والتي سيتند فيها المترجم إلى الحاسوب الذي ييسر عليه عمله وهي محسوبة لأن نظامها متفاعل مع المترجم يمنحه عدة حلول يختار منها ما يلائم السياق ويحسب لكل مقام حسابه.

إذن فإن الترجمة هي وضع المصطلح فيحيا في النص ويشع على الأفواه والأقوال.

من حقنا نحن كعرب أن نأخذ اليوم عن طريق الترجمة ما نحتاج إليه في معركتنا المتنصلة للتغلب على التحديات التي تواجهنا وبناء مجتمع عربي متقدم ومتحرر وموحد كل ذلك إثراءا للغة العربية المجيدة وجعلها لغة العصر الحديث بكل علومه وآدابه وفنونه وتقنياته المعقدة في سياق النظال من أجل التخلص من رواسب الجهل والتخلف وآثار التبعية والتغريب وذلك باكتساب الجديد وإدراك الحداثة مع الحفاظ على الأصالة الضاربة في أعماق التاريخ.

 بقلم سناء الزاوي

يومية الامة العربية

27/11/2010

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article